الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله (باب الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة) أي التي ترجى فيها إجابة الدعاء. وقد ترجم في كتاب الجمعة " باب الساعة التي في يوم الجمعة " ولم يذكر في البابين شيئا يشعر بتعيينها. وقد اختلف في ذلك كثيرا، واقتصر الخطابي منها على وجهين: أحدهما أنها ساعة الصلاة، والآخر أنها ساعة من النهار عند دنو الشمس للغروب، وتقدم سياق الحديث في كتاب الجمعة من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ " فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقللها " وقد ذكرت شرحه هناك، واستوعبت الخلاف الوارد في الساعة المذكورة فزاد على الأربعين قولا، واتفق لي نظير ذلك ليلة القدر. وقد ظفرت بحديث يظهر منه وجه المناسبة بينهما في العدد المذكور، وهو ما أخرجه أحمد وصححه ابن خزيمة من طريق سعيد بن الحارث عن أبي سلمة قال " قلت يا أبا سعيد إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في الجمعة فقال: سألت عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني كنت أعلمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر". وفي هذا الحديث إشارة إلى أن كل رواية جاء فيها تعيين وقت الساعة المذكورة مرفوعا وهم، والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ وَقَالَ بِيَدِهِ قُلْنَا يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا الشرح: قوله (يسأل الله خيرا) يقيد قوله في رواية الأعرج " شيئا " وأن الفضل المذكور لمن يسأل الخير، فيخرج الشر مثل الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم ونحو ذلك. وقوله "وقال بيده " فيه إطلاق القول على الفعل، وقد وقع في رواية الأعرج " وأشار بيده". قوله (قلنا يقللها يزهدها) يحتمل أن يكون قوله يزهدها وقع تأكيدا لقوله يقللها، وإلى ذلك أشار الخطابي. ويحتمل أن يكون قال أحد اللفظين فجمعهما الراوي. ثم وجدته عند الإسماعيلي من رواية أبي خيثمة زهير بن حرب " يقللها ويزهدها " فجمع بينهما، وهو عطف تأكيد. وقد أخرجه مسلم عن زهير بن حرب عن إسماعيل شيخ مسدد فيه فلم يقع عنده " قلنا " ولفظه " وقال بيده يقللها يزهدها " وأخرجه أبو عوانة عن الزعفراني عن إسماعيل بلفظ " وقال بيده هكذا فقلنا يزهدها أو يقللها " وهذه أوضح الروايات والله أعلم. *3* الشرح: قوله (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يستجاب لنا في اليهود ولا يستجاب لهم فينا) أي لأنا ندعو عليهم بالحق وهم يدعون علينا بالظلم. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكَ قَالَ وَعَلَيْكُمْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ السَّامُ عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمْ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْلًا يَا عَائِشَةُ عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ أَوْ الْفُحْشَ قَالَتْ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ الشرح: حديث عائشة في قول اليهود السام عليكم وفي قولها لهم " السام عليكم واللعنة " وفي آخره " رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في " ولمسلم من حديث جابر " وإنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا"، ولأحمد من طريق محمد بن الأشعث عن عائشة في نحو حديث الباب " فقال: مه، إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولا فرددناه عليهم، فلم يضرنا شيء ولزمهم إلى يوم القيامة " وقد تقدم شرحه في كتاب الاستئذان وفيه بيان الاختلاف في المراد بذلك، ويستفاد منه أن الداعي إذا كان ظالما على من دعا عليه لا يستجاب دعاؤه، ويؤيده قوله تعالى: الشرح: قوله (باب التأمين) يعني قول " آمين " عقب الدعاء. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَمَّنَ الْقَارِئُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ الشرح: حديث أبي هريرة " إذا أمن القارئ فأمنوا " وقد تقدم شرحه في كتاب الصلاة، والمراد بالقارئ هنا الإمام إذا قرأ في الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد بالقارئ أعم من ذلك. وورد في التأمين مطلقا أحاديث منها حديث عائشة مرفوعا " ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين " رواه ابن ماجه وصححه ابن خزيمة، وأخرجه ابن ماجه أيضا من حديث ابن عباس بلفظ: " ما حسدتكم على آمين، فأكثروا من قول آمين " وأخرج الحاكم " عن حبيب بن مسلمة الفهري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم إلا أجابهم الله تعالى " ولأبي داود من حديث أبي زهير النميري قال: " وقف النبي صلى الله عليه وسلم على رجل قد ألح في الدعاء فقال: أوجب إن ختم، فقال: بأي شيء؟ قال بآمين. فأتاه الرجل فقال: يا فلان اختم بآمين وأبشر " وكان أبو زهير يقول: آمين مثل الطابع على الصحيفة. وقد ذكرت في " باب جهر الإمام بالتأمين " في كتاب الصلاة. ما في آمين من اللغات واختلاف في معناها فأغنى عن الإعادة. الشرح: قوله (باب فضل التهليل) أي قول لا إله إلا الله، وسيأتي بعد باب شيء مما يتعلق بذلك. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ الشرح: قوله (عن مالك عن سمي) بمهملة مصغر. وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة في مسنده عن زيد بن الحباب عن مالك " حدثني سمي مولى أبي بكر " أخرجه ابن ماجه. وفي رواية عبد الله بن سعيد عن أبي هند عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث. قوله (عن أبي صالح) هو السمان. قوله (عن أبي هريرة) في رواية عبد الله بن سعيد " إنه سمع أبا هريرة". قوله (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) هكذا في أكثر الروايات، وورد في بعضها زيادة " يحيي ويميت " وفي أخرى زيادة " بيده الخير " وسأذكر من زاد ذلك. قوله (مائة مرة) في رواية عبد الله بن يوسف عن مالك الماضية في بدء الخلق " في يوم مائة مرة " وفي رواية عبد الله بن سعيد " إذا أصبح " ومثله في حديث أبي أمامة عند جعفر الفريابي في الدبر، ووقع في حديث أبي ذر تقييده بأن ذلك " في دبر صلاة الفجر قبل أن يتكلم " لكن قال " عشر مرات " وفي سندهما شهر بن حوشب وقد اختلف عليه وفيه مقال. قوله (كانت له) في رواية الكشميهني من طريق عبد الله بن يوسف الماضية كان بالتذكير أي القول المذكور. قوله (عدل) بفتح العين، قال الفراء: العدل بالفتح ما عدل الشيء من غير جنسه، وبالكسر المثل. قوله (عشر رقاب) في رواية عبد الله بن سعيد " عدل رقبة " ويوافقه رواية مالك حديث البراء بلفظ " من قال لا إله إلا الله " وفي آخره " عشر مرات كن له عدل رقبة " أخرجه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم ونظيره في حديث أبي أيوب الذي في الباب كما سيأتي التنبيه عليه. وأخرج جعفر الفريابي في الذكر من طريق الزهري أخبرني عكرمة بن محمد الدؤلي أن أبا هريرة قال " من قالها فله عدل رقبة، ولا تعجزوا أن تستكثروا من الرقاب " ومثله رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه لكنه خالف في صحابيه فقال عن أبي عياش الزرقي أخرجه النسائي. قوله (وكتبت) في رواية الكشميهني " وكتب " بالتذكير. قوله (وكانت له حرزا من الشيطان) في رواية عبد الله بن سعيد " وحفظ يومه حتى يمسي " وزاد " ومن قال مثل ذلك حين يمسي كان له مثل ذلك " ومثل ذلك في طرق أخرى يأتي التنبيه عليها بعد. قوله (ولم يأت أحد بأفضل مما جاء) كذا هنا " وفي رواية عبد الله بن يوسف " مما جاء به. قوله (إلا رجل عمل أكثر منه) في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " لم يجئ أحد بأفضل من عمله إلا من قال أفضل من ذلك " أخرجه النسائي بسند صحيح إلى عمرو، والاستثناء في قوله " إلا رجل " منقطع والتقدير لكن رجل قال أكثر مما قاله فإنه يزيد عليه، ويجوز أن يكون الاستثناء متصلا. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ مَنْ قَالَ عَشْرًا كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ مِثْلَهُ فَقُلْتُ لِلرَّبِيعِ مِمَّنْ سَمِعْتَهُ فَقَالَ مِنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ فَأَتَيْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ فَقُلْتُ مِمَّنْ سَمِعْتَهُ فَقَالَ مِن ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَأَتَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَقُلْتُ مِمَّنْ سَمِعْتَهُ فَقَالَ مِن أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ يُحَدِّثَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَوْلَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ وَقَالَ آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ سَمِعْتُ هِلَالَ بْنَ يَسَافٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَوْلَهُ وَقَالَ الْأَعْمَشُ وَحُصَيْنٌ عَنْ هِلَالٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَوْلَهُ وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو الشرح: قوله (حدثنا عبد الله بن محمد) هو المسندي، وعبد الملك بن عمرو هو أبو عامر الحقدي بفتح المهملة والقاف مشهور بكنيته أكثر من اسمه، وعمر بن أبي زائدة اسم أبيه خالد وقيل ميسرة، وهو أخو زكريا بن أبي زائدة، وزكريا أكثر حديثا منه وأشهر. قوله (عن أبي إسحاق) هو السبيعي تابعي صغير، وعمرو بن ميمون هو الأودي تابعي كبير مخضرم أدرك الجاهلية. قوله (من قال عشرا كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل) هكذا ذكره البخاري مختصرا وساقه مسلم عن سليمان بن عبيد الله الغيلاني والإسماعيلي من طريق علي بن مسلم قالا " حدثنا أبو عامر بالسند المذكور ولفظه: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل " وهكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق روح بن عبادة، ومن طريق عمرو بن عاصم فرقهما قالا " حدثنا عمر بن أبي زائدة " فذكر مثله سواء. قوله (قال عمر) كذا لأبي ذر غير منسوب، ولغيره " عمر بن أبي زائدة " وهو الراوي المذكور في أول السند. قوله (وحدثنا عبد الله بن أبي السفر) بفتح المهملة والفاء، وسكن بعض المغاربة الفاء وهو خطأ، وهو معطوف على قوله " عن أبي إسحاق " وقد أوضح ذلك مسلم والإسماعيلي في روايتهما المذكورة فأعاد مسلم السند من أوله إلى عمر بن أبي زائدة قال " حدثنا عبد الله بن أبي السفر " فذكره. وكذا وقع عند أحمد عن روح بن عبادة، وعند أبي عوانة من روايته واقتصر على الموصول في رواية عمرو بن عاصم المذكورة عن الشعبي عن الربيع ابن خثيم بمعجمه ومثلثة مصغر. قوله (مثله) أي مثل رواية أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الموقوفة. وحاصل ذلك أن عمرو بن أبي زائدة أسنده عن شيخين: أحدهما عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون موقوفا، والثاني عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن الربيع عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب مرفوعا. (تنبيه) : وقع قوله " قال عمرو حدثنا عبد الله بن أبي السفر إلخ " مؤخرا في رواية أبي ذر عن التعاليق عن موسى وعن إسماعيل وعن آدم وعن الأعمش وحصين، وقدم هذه التعاليق كلها على الطريق الثانية لعمر بن أبي زائدة فصار ذلك مشكلا لا يظهر منه وجه الصواب، ووقع قوله " وقال عمر بن أبي زائدة " مقدما معقبا بروايته عن أبي إسحاق عند غير أبي ذر في جميع الروايات عن الفربري، وكذا في رواية إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري وهو الصواب، ويؤيد ذلك رواية الإسماعيلي ورواية أبي عوانة المذكورتان. قوله (وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه) هو ابن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي إسحاق) هو جد إبراهيم ابن يوسف. قوله (حدثني عمرو بن ميمون إلخ) أفادت هذه الرواية التصريح بتحديث عمرو لأبي إسحاق، وأفادت زيادة ذكر عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي أيوب في المسند. قوله (وقال موسى حدثنا وهيب إلخ) مرفوعا وصله أبو بكر بن أبي خيثمة في ترجمة الربيع بن خثيم من تاريخه فقال " حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب بن خالد عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي " فذكره ولفظه " كان له من الأجر مثل من أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل " وقد أخرجه جعفر في الذكر من رواية خالد الطحان عن داود بن أبي هند بسنده لكن لفظه " كان له عدل رقبة أو عشر رقاب " ثم أخرجه من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد عن داود قال: مثله، ومن طريق محمد بن أبي عدي ويزيد بن هارون كلاهما عن داود نحوه، وأخرجه النسائي من رواية يزيد وهو عند أحمد عن يزيد بلفظ " كن له كعدل عشر رقاب"، وأخرجه الإسماعيلي من طريق خلف بن راشد قال: وكان ثقة صاحب سنة، عن داود بن أبي هند مثله وزاد في آخره " قال قلت من حدثك؟ قال: عبد الرحمن، قلت لعبد الرحمن: من حدثك؟ قال: أبو أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم " لم يذكر فيه الربيع بن خثيم، ورواية وهيب تؤيد رواية عمر بن أبي زائدة وإن كان اختصر القصة فإنه وافقه في رفعه وفي كون الشعبي رواه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب. قوله (وقال إسماعيل عن الشعبي عن الربيع بن خثيم قوله) إسماعيل هو ابن أبي خالد، واقتصار البخاري على هذا القدر يوهم أنه خالف داود في وصله، وليس كذلك وإنما أراد أنه جاء في هذه الطريق عن الربيع من قوله ثم لما سئل عنه وصله وليس كذلك، وقد وقع لنا ذلك واضحا في زيادات الزهد لابن المبارك ورواية الحسين بن الحسين المروزي " قال الحسين حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت إسماعيل بن أبي خالد يحدث عن عامر هو الشعبي سمعت الربيع بن خثيم يقول: من قال لا إله إلا الله " فذكره بلفظ " فهو عدل أربع رقاب، فقلت عمن ترويه؟ فقال: عن عمرو بن ميمون، فلقيت عمرا فقلت: عمن ترويه؟ فقال: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فلقيت عبد الرحمن فقلت: عمن ترويه؟ فقال: عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم " وكذا أخرجه جعفر في الذكر من رواية خالد الطحان عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال " قال الربيع بن خثيم أخبرت أنه من قال " فذكره وزاد بعد قوله أربع رقاب " يعتقها. قلت: عمن تروي هذا؟ فذكر مثله لكن ليس فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم " ومن طريق عبدة بن سليمان عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي " سمعت الربيع ابن خثيم يقول: من قال " فذكره دون قوله يعتقها " فقلت له: عمن تروي هذا؟ فذكره " وكذا أخرجه النسائي عن رواية يعلى بن عبيد عن إسماعيل مثله سواء. وذكر الدار قطني أن ابن عيينة ويزيد بن عطاء ومحمد بن إسحاق ويحيى بن سعيد الأموي رووه عن الربيع بن خثيم كما قال يعلى بن عبيد وأن علي بن عاصم رفعه عن إسماعيل وأخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن إسحاق عن إسماعيل عن جابر سمعت الربيع بن خثيم يقول فذكره قال " قلت: فمن أخبرك؟ قال عمرو بن ميمون، قال فلقيت عمرا فقلت: إن الربيع روى لي عنك كذا وكذا أفأنت أخبرته؟ قال: نعم. قلت: من أخبرك؟ قال: عبد الرحمن " فذكر ذلك إلخ. قوله (وقال آدم حدثنا شعبة إلخ) هكذا للأكثر، ووقع عند الدار قطني أن البخاري قال فيه " حدثنا آدم " وكذا رويناه في نسخة آدم بن أبي إياس عن شعبة رواية القلانسي عنه، وكذا أخرجه النسائي من رواية محمد ابن جعفر والإسماعيلي من رواية معاذ بن معاذ كلاهما عن شعبة بسنده المذكور وساقا المتن ولفظهما " عن عبد الله هو ابن مسعود قال: لأن أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له " الحديث وفيه " أحب إلي من أن أعتق أربع. رقاب " وأخرجه النسائي من طريق منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن الربيع وحده عن عبد الله بن مسعود قال " من قال " فذكر مثله لكن زاد " بيده الخير " وقال في آخره " كان له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل". قوله (وقال الأعمش وحصين عن هلال عن الربيع عن عبد الله قوله) أما رواية الأعمش فوصلها النسائي من طريق وكيع عنه ولفظه " عن عبد الله بن مسعود قال: من قال أشهد أن لا إله إلا الله " وقال فيه " كان له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل". وأما رواية حصين وهو ابن عبد الرحمن فوصلها محمد بن فضيل في كتاب الدعاء له " حدثنا حصين بن عبد الرحمن " فذكره ولفظه " قال عبد الله: من قال أول النهار لا إله إلا الله " فذكره بلفظ " كن له كعدل أربع محزرين من ولد إسماعيل"، قال فذكرته لإبراهيم يعني النخعي فزاد فيه " بيده الخير". وهكذا أخرجه النسائي من طريق محمد بن فضيل، ورويناها بعلو في " فوائد أبي جعفر بن البختري " من طريق علي بن عاصم عن حصين ولفظه " عن هلال قال: ما قعد الربيع بن خثيم إلا كان آخر قوله قال ابن مسعود " فذكره، وهكذا رواه منصور بن المعتمر عن هلال وقال في آخره " كان له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل " وزاد فيه " بيده الخير " ولم يفصل كما فصل حصين أخرجه النسائي من رواية يحيى بن يعلى عن منصور، وأخرجه النسائي أيضا من رواية زائدة عن منصور عن هلال عن الربيع عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة عن أبي أيوب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله " مثل الأول وزاد " عشر مرات كن عدل نسمة " وهذه الطريق لا تقدح في الإسناد الأول، لأن عبد الرحمن صرح بأنه سمعه من أبي أيوب كما في رواية الأصيلي وغيره، فلعله كان سمعه من المرأة عنه ثم لقيه فحدثه به أو سمعه منه ثم ثبتته فيه المرأة. قوله (ورواه أبو محمد الحضرمي عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم) كذا لأبي ذر ووافقه النسفي، ولغيرهما " وقال أبو محمد إلخ " وأبو محمد لا يعرف اسمه كما قال الحاكم أبو أحمد، وكان يخدم أبا أيوب، وذكر المزي أنه أفلح مولى أبي أيوب، وتعقب بأنه مشهور باسمه مختلف في كنيته. وقال الدار قطني لا يعرف أبو محمد إلا في هذا الحديث، وليس لأبي محمد الحضرمي في الصحيح إلا هذا الموضع. وقد وصله الإمام أحمد والطبراني من طريق سعيد بن إياس الحريري عن أبي الورد وهو بفتح الواو وسكون الراء واسمه ثمامة بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون القشيري عن أبي محمد الحضرمي عن أبي أيوب الأنصاري قال " لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة نزل علي فقال لي: يا أبا أيوب ألا أعلمك، قلت: بلى يا رسول الله، قال: ما من عبد يقول إذا أصبح لا إله إلا الله " فذكره " إلا كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، وإلا كن له عند الله عدل عشر رقاب محررين، وإلا كان في جنة من الشيطان حتى يمسي. ولا قالها حين يمسي إلا كان كذلك، قال فقلت لأبي محمد: أنت سمعتها من أبي أيوب؟ قال. والله لقد سمعتها من أبي أيوب " وروى أحمد أيضا من طريق عبد الله بن يعيش عن أبي أيوب رفعه " من قال إذا صلى الصبح لا إله إلا الله " فذكره بلفظ " عشر مرات كن كعدل أربع رقاب وكتب له بهن عشر حسنات، ومحى عنه بهن عشر سيئات، ورفع له بهن عشر درجات، وكن له حرسا من الشيطان حتى يمسي. وإذا قالها بعد المغرب فمثل ذلك " وسنده حسن. وأخرجه جعفر في الذكر من طريق أبي رهم السمعي بفتح المهملة والميم عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قال حين يصبح " فذكر مثله لكن زاد " يحيي ويميت " وقال فيه " كعدل عشر رقاب، وكان له مسلحة من أول نهاره إلى آخره، ولم يعمل عملا يومئذ يقهرهن. وإن قالهن حين يمسي فمثل ذلك " وأخرجه أيضا من طريق لقاسم بن عبد الرحمن عن أبي أيوب بلفظ " من قال غدوة " فذكر نحوه وقال في آخره " وأجاره الله يومه من النار، ومن قالها عشية كان له مثل ذلك". قوله (قال أبو عبد الله) هو البخاري: (والصحيح قول عمرو) كذا وقع في رواية أبي ذر عن المستملي وحده، ووقع عنده " عمرو " بفتح العين ونبه على أن الصواب عمر بضم العين، وهو كما قال: ووقع عند أبي زيد المروزي في روايته: الصحيح قول عبد الملك بن عمرو. وقال الدار قطني: الحديث حديث ابن أبي السفر عن الشعبي، وهو الذي ضبط الإسناد، ومراد البخاري ترجيح رواية عمر بن أبي زائدة عن أبي إسحاق على رواية غيره عنه، وقد ذكر هو ممن رواه عن أبي إسحاق حفيده إبراهيم بن يوسف كما بينته، ورواه عن أبي إسحاق أيضا حفيده الآخر إسرائيل بن يونس أخرجه جعفر في الذكر من طريقه عن أبي إسحاق فزاد في روايته بين عمرو وعبد الرحمن الربيع بن خثيم. ووقفه أيضا، ولفظه عنده " كان له من الأجر مثل من أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل " ورواه عن أبي إسحاق أيضا زهير بن معاوية كذلك أخرجه النسائي من طريقه لكن قال " كان أعظم أجرا وأفضل " والباقي مثل إسرائيل، وأخرجه أيضا من رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق لكن لم يذكر عبد الرحمن بين الربيع وأبي أيوب، وأخرجه جعفر في الذكر من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق فقال " عن عمرو بن ميمون حدثنا من سمع أبا أيوب " فذكر مثل لفظ زهير بن معاوية. واختلاف هذه الروايات في عدد الرقاب مع اتحاد المخرج يقتضي الترجيح بينها، فالأكثر على ذكر أربعة، ويجمع بينه وبين حديث أبي هريرة بذكر عشرة لقولها مائة فيكون مقابل كل عشر مرات رقبة من قبل المضاعفة، فيكون لكل مرة بالمضاعفة رقبة، وهي مع ذلك لمطلق الرقاب، ومع وصف كون الرقبة من بني إسماعيل يكون مقابل العشرة من غيرهم أربعة منهم لأنهم أشرف من غيرهم من العرب فضلا عن العجم، وأما ذكر رقبة بالإفراد في حديث أبي أيوب فشاذ، والمحفوظ أربعة كما بينته، وجمع القرطبي في " المفهم " بين الاختلاف على اختلاف أحوال الذاكرين فقال: إنما يحصل الثواب الجسيم لمن قام بحق هذه الكلمات فاستحضر معانيها بقلبه وتأملها بفهمه، ثم لما كان الذاكرون في إدراكاتهم وفهومهم مختلفين كان ثوابهم بحسب ذلك؛ وعلى هذا ينزل اختلاف مقادير الثواب في الأحاديث، فإن في بعضها ثوابا معينا ونجد ذلك الذكر بعينه في رواية أخرى أكثر أو أقل كما اتفق في حديث أبى هريرة وأبي أيوب. قلت: إذا تعددت مخارج الحديث فلا بأس بهذا الجمع، وإذا اتحدت فلا، وقد يتعين الجمع الذي قدمته، ويحتمل فيما إذا تعددت أيضا أن يختلف المقدار بالزمان كالتقييد بما بعد صلاة الصبح مثلا وعدم التقييد إن لم يحمل المطلق في ذلك على المقيد، ويستفاد منه جواز استرقاق العرب خلافا لمن منع ذلك، قال عياض: ذكر هذا العدد من المائة دليل على أنها غاية للثواب المذكور، وأما قوله " إلا أحد عمل أكثر من ذلك " فيحتمل أن تراد الزيادة على هذا العدد فيكون لقائله من الفضل بحسابه لئلا يظن أنها من الحدود التي نهى عن اعتدائها وأنه لا فضل في الزيادة عليها كما في ركعات السنن المحدودة وأعداد الطهارة، ويحتمل أن تراد الزيادة من غير هذا الجنس من الذكر أو غيره إلا أن يزيد أحد عملا آخر من الأعمال الصالحة. وقال النووي: يحتمل أن يكون المراد مطلق الزيادة سواء كانت من التهليل أو غيره وهو الأظهر، يشير إلى أن ذلك يختص بالذكر، ويؤيده ما تقدم أن عند النسائي من رواية عمرو بن شعيب " إلا من قال أفضل من ذلك " قال: وظاهر إطلاق الحديث أن الأجر يحصل لمن قال هذا التهليل في اليوم متواليا أو متفرقا في مجلس أو مجالس في أول النهار أو آخره، لكن الأفضل أن يأتي به أول النهار متواليا ليكون له حرزا في جميع نهاره، وكذا في أول الليل ليكون له حرزا في جميع ليله. (تنبيه) : أكمل ما ورد من ألفاظ هذا الذكر في حديث ابن عمر عن عمر رفعه " من قال حين يدخل السوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير " الحديث أخرجه الترمذي وغيره، وهذا لفظ جعفر في الذكر وفي سنده لين، وقد ورد جميعه في حديث الباب على ما أوضحته مفرقا إلا قوله " وهو حي لا يموت" الشرح: قوله (باب فضل التسبيح) يعني قول سبحان الله، ومعناه تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص، فيلزم نفي الشريك والصاحبة والولد وجميع الرذائل. ويطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر، ويطلق ويراد به صلاة النافلة. وأما صلاة التسبيح فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها. وسبحان اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره سبحت الله سبحانا، كسبحت الله تسبيحة ولا يستعمل غالبا إلا مضافا، وهو مضاف إلى المفعول أي سبحت الله، ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل أي نزه الله نفسه والمشهور الأول، وقد جاء غير مضاف في الشعر كقوله: سبحانه ثم سبحانا أنزهه. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ الشرح: قوله (من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) زاد في رواية سهيل بن أبي صالح عن سمي عن أبي صالح " من قال حين يمسي وحين يصبح " ويأتي في ذلك ما ذكره النووي من أن الأفضل أن يقول ذلك متواليا في أول النهار وفي أول الليل، والمراد بقوله " وإن كانت مثل زبد البحر " الكناية عن المبالغة في الكثرة، قال عياض قوله " حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر " مع قوله في التهليل " محيت عنه مائة سيئة " قد يشعر بأفضلية التسبيح على التهليل، يعني لأن عدد زبد البحر أضعاف أضعاف المائة، لكن تقدم في التهليل " ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به " فيحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون التهليل أفضل وأنه بما زيد من رفع الدرجات وكتب الحسنات ثم ما جعل مع ذلك من فضل عتق الرقاب قد يزيد على فضل التسبيح وتكفيره جميع الخطايا لأنه قد جاء " من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار " فحصل بهذا العتق تكفير جميع الخطايا عموما بعد حصر ما عدد منها خصوصا مع زيادة مائة درجة وما زاده عتق الرقاب الزيادة على الواحدة، ويؤيده الحديث الآخر " أفضل الذكر التهليل " وأنه أفضل ما قاله والنبيون من قبله وهو كلمة التوحيد والإخلاص، وقيل إنه اسم الله الأعظم، وقد مضى شرح التسبيح وإنه التنزيه عما لا يليق بالله تعالى وجميع ذلك داخل في ضمن " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " انتهى ملخصا. قلت: وحديث " أفضل الذكر لا إله إلا الله " أخرجه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث جابر، ويعارضه في الظاهر حديث أبي ذر " قلت يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله، قال: إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده " أخرجه مسلم. وفي رواية " سئل أي الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفاه الله لملائكته: سبحان الله وبحمده " وقال الطيبي في الكلام على حديث أبي ذر: فيه تلميح بقوله تعالى حكاية عن الملائكة فيندرج فيه معنى لا إله إلا الله، وقوله "وبحمده " صريح في معنى والحمد لله لأن الإضافة فيه بمعنى اللام في الحمد، ويستلزم ذلك معنى الله أكبر لأنه إذا كان كل الفضل والأفضال لله ومن الله وليس من غيره شيء من ذلك فلا يكون أحد أكبر منه، ومع ذلك كله فلا يلزم أن يكون التسبيح أفضل من التهليل لأن التهليل صريح في التوحيد والتسبيح متضمن له، ولأن نفي الآلهة في قول " لا إله " نفي لمضمنها من فعل الخلق والرزق والإثابة والعقوبة، وقول " إلا الله " إثبات لذلك، ويلزم منه نفي ما يضاده ويخالفه من النقائص، فمنطوق سبحان الله تنزيه ومفهومه توحيد ومنطوق لا إله إلا الله توحيد ومفهومه تنزيه، يعني فيكون لا إله إلا الله أفضل لأن التوحيد أصل والتنزيه ينشأ عنه والله أعلم. وقد جمع القرطبي بما حاصله: إن هذه الأذكار إذا أطلق على بعضها أنه أفضل الكلام أو أحبه إلى الله فالمراد إذا انضمت إلى أخواتها، بدليل حديث سمرة عند مسلم " أحب الكلام إلى الله أربع لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ويحتمل أن يكتفي في ذلك بالمعنى فيكون من اقتصر على بعضها كفى، لأن حاصلها التعظيم والتنزيه، ومن نزهه فقد عظمه ومن عظمه فقد نزهه، انتهى. وقال النووي: هذا الإطلاق في الأفضلية محمول على كلام الآدمي، وإلا فالقرآن أفضل الذكر. وقال البيضاوي: الظاهر أن المراد من الكلام كلام البشر، فإن للثلاث الأول وإن وجدت في القرآن لكن الرابعة لم توجد فيه، ولا يفضل ما ليس فيه على ما هو فيه. قلت ويحتمل أن يجمع بأن تكون " من " مضمرة في قوله " أفضل الذكر لا إله إلا الله " وفي قوله " أحب الكلام " بناء على أن لفظ أفضل وأحب متساويان في المعنى، لكن يظهر مع ذلك تفضيل لا إله إلا الله لأنها ذكرت بالتنصيص عليها بالأفضلية الصريحة وذكرت مع أخواتها بالأحبية فحصل لها التفضيل تنصيصا وانضماما والله أعلم. وأخرج الطبري من رواية عبد الله بن باباة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال " إن الرجل إذا قال لا إله إلا الله فهي كلمة الإخلاص التي لا يقبل الله عملا حتى يقولها، وإذا قال الحمد لله فهي كلمة الشكر التي لم يشكر الله عبد حتى يقولها " ومن طريق الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال " من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين". (تكميل) : أخرج النسائي بسند صحيح عن أبي سعيد " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال موسى يا رب علمني شيئا أذكرك به، قال: قل لا إله إلا الله " الحديث وفيه " لو أن السماوات السبع وعامرهن والأرضين السبع جعلن في كفة ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله " فيؤخذ منه أن الذكر بلا إله إلا الله أرجح من الذكر بالحمد لله، ولا يعارضه حديث أبي مالك الأشعري رفعه " والحمد لله تملأ الميزان " فإن الملء يدل على المساواة والرجحان صريح في الزيادة فيكون أولى، ومعنى " ملء الميزان " أن ذاكرها يمتلئ ميزانه ثوابا. وذكر ابن بطال عن بعض العلماء أن الفضل الوارد في حديث الباب وما شابهه إنما هو لأهل الفضل في الدين والطهارة من الجرائم العظام، وليس من أصر على شهواته وانتهك دين الله وحرماته بلا حق بالأفاضل المطهرين في ذلك. ويشهد له قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ الشرح: قوله (حدثنا ابن فضيل) هو محمد، وأبوه بالفاء والمعجمة مصغر، وعمارة هو ابن القعقاع بن شبرمة، وأبو زرعة هو ابن عمرو بن جرير، ورجال الإسناد ما بين زهير بن حرب وأبي هريرة كوفيون. قوله (خفيفتان على اللسان إلخ) قال الطيبي الخفة مستعارة للسهولة، شبه سهولة جريان هذا الكلام على اللسان بما يخف على الحامل من بعض المحمولات فلا يشق عليه، فذكر المشبه وأراد المشبه به، وأما الثقل فعلى حقيقته لأن الأعمال تتجسم عند الميزان، والخفة والسهولة من الأمور النسبية. وفي الحديث حث على المواظبة على هذا الذكر وتحريض على ملازمته، لأن جميع التكاليف شاقة على النفس. وهذا سهل ومع ذلك يثقل في الميزان كما تثقل الأفعال الشاقة فلا ينبغي التفريط فيه. وقوله "حبيبتان إلى الرحمن " ثنية حبيبة وهي المحبوبة، والمراد أن قائلها محبوب لله، ومحبة الله للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم، وخص الرحمن من الأسماء الحسنى للتنبيه على سعة رحمة الله، حيث يجازى على العمل القليل بالثواب الجزيل، ولما فيها من التنزيه والتحميد والتعظيم، وفي الحديث جواز السجع في الدعاء إذا وقع بغير كلفة، وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في آخر الصحيح حيث ختم به المصنف إن شاء الله تعالى. *3* الشرح: قوله (باب فصل ذكر الله عز وجل) ذكر فيه حديثي أبي موسى وأبي هريرة وهما ظاهران فيما ترجم له، والمراد بالذكر هنا الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها مثل الباقيات الصالحات وهي " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار ونحو ذلك والدعاء بخيري الدنيا والآخرة، ويطلق ذكر الله أيضا ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة، ثم الذكر يقع تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق، ولا يشترط استحضاره لمعناه ولكن يشترط أن لا يقصد به غير معناه، وإن انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل، فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه ازداد كمالا، فإن وقع ذلك في عمل صالح مهما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالا، فإن صحيح التوجه وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال. وقال الفخر الرازي: المراد بذكر اللسان الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد والتمجيد، والذكر بالقلب التفكر في أدلة الذات والصفات وفي أدلة التكاليف من الأمر والنهي حتى يطلع على أحكامها، وفي أسرار مخلوقات الله. والذكر بالجوارح هو أن تصير مستغرقة في الطاعات، ومن ثم سمى الله الصلاة ذكرا فقال وورد في فضل الذكر أحاديث أخرى منها ما أخرجه المصنف في أواخر كتاب التوحيد عن أبي هريرة " قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي " الحديث. ومنها ما أخرجه في صلاة الليل من حديث أبي هريرة أيضا رفعه " يعقد الشيطان " الحديث وفيه " فإن قام فذكر الله انحلت عقدة " ومنها ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعا " لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة " الحديث. ومن حديث أبي ذر رفعه " أحب الكلام إلى الله ما اصطفى لملائكته: سبحان ربي وبحمده " الحديث. ومن حديث معاوية رفعه أنه قال لجماعة جلسوا يذكرون الله تعالى " أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة". ومن حديث سمرة رفعه " أحب الكلام إلى الله أربع: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله لا يضرك بأيهن بدأت " ومن حديث أبي هريرة رفعه " لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس " وأخرج الترمذي والنسائي وصححه الحاكم عن الحارث بن الحارث الأشعري حديث طويل وفيه " فآمركم أن تذكروا الله، وإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى على حصن حصين أحرز نفسه منهم، فكذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى". وعن عبد الله بن بسر " أن رجلا قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي. فأخبرني بشيء أتشبث به. قال "لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله " أخرجه الترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم. وأخرج ابن حبان نحوه أيضا من حديث معاذ بن جبل وفيه أنه السائل عن ذلك. وأخرج الترمذي من حديث أنس رفعه " إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر " وأخرج الترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء مرفوعا " ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى. قال: ذكر الله عز وجل " وقد أشرت إليه مستشكلا في أوائل الجهاد مع ما ورد في فضل المجاهد أنه كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر وغير ذلك مما يدل على أفضليته على غيره من الأعمال الصالحة، وطريق الجمع - والله أعلم - أن المراد بذكر الله في حديث أبي الدرداء الذكر الكامل وهو ما يجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالتفكر في المعنى واستحضار عظمة الله تعالى، وأن الذي يحصل له ذلك يكون أفضل ممن يقاتل الكفار مثلا من غير استحضار لذلك. وأن أفضلية الجهاد إنما هي بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد، فمن اتفق له أنه جمع ذلك كمن يذكر الله بلسانه وقلبه واستحضاره، وكل ذلك حال صلاته أو في صيامه أو تصدقه. أو قتاله الكفار مثلا فهو الذي بلغ الغاية القصوى، والعلم عند الله تعالى. وأجاب القاضي أبو بكر بن العربي بأنه ما من عمل صالح إلا والذكر مشترط في تصحيحه، فمن لم يذكر الله بقلبه عند صدقته أو صيامه مثلا فليس عمله كاملا، فصار الذكر أفضل الأعمال من هذه الحيثية. ويشير إلى ذلك حديث " نية المؤمن أبلغ من عمله". الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ الشرح: قوله (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت) سقط لفظ " ربه " الثانية من رواية غير أبي ذر، هكذا وقع في جميع نسخ البخاري، وقد أخرجه مسلم عن أبي كريب وهو محمد بن العلاء شيخ البخاري فيه بسنده المذكور بلفظ " مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت " وكذا أخرجه الإسماعيلي وابن حبان صحيحه جميعا عن أبي يعلى عن أبي كريب، وكذا أخرجه أبو عوانة عن أحمد بن عبد الحميد والإسماعيلي أيضا عن الحسن بن سفيان عن عبد الله بن براد، وعن القاسم ابن زكريا عن يوسف بن موسى وإبراهيم بن سعيد الجوهري وموسى بن عبد الرحمن المسروقي والقاسم بن دينار كلهم عن أبي أسامة، فتوارد هؤلاء على هذا اللفظ يدل على أنه هو الذي حدث به بريد بن عبد الله شيخ أبي أسامة، وانفراد البخاري باللفظ المذكور دون بقية أصحاب أبي كريب وأصحاب أبي أسامة يشعر بأنه رواه من حفظه أو تجوز في روايته بالمعنى الذي وقع له وهو أن الذي يوصف بالحياة والموت حقيقة هو الساكن لا السكن وإن إطلاق الحي والميت في وصف البيت إنما يراد به ساكن البيت فشبه الذاكر بالحي الذي ظاهره متزين بنور الحياة وباطنه بنور المعرفة وغير الذاكر بالبيت الذي ظاهره عاطل وباطنه باطل؛ وقيل موقع التشبيه بالحي والميت لما في الحي من النفع لمن يواليه والضر لمن يعاديه وليس ذلك في الميت. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ قَالَ فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي قَالَ فَيَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ قَالَ فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا قَالَ يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِي قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ قَالَ يَقُولُونَ مِنْ النَّارِ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ قَالَ هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَرَوَاهُ سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله (حدثنا قتيبة) هو ابن سعيد، وصرح بذلك في غير رواية أبي ذر. قوله (جرير) هو ابن عبد الحميد. قوله (عن أبي صالح) لم أره من حديث الأعمش إلا بالعنعنة لكن اعتمد البخاري على وصله لكون شعبة رواه عن الأعمش كما سأذكره. فإن شعبة كان لا يحدث عن شيوخه المنسوبين للتدليس إلا بما تحقق أنهم سمعوه. قوله (عن أبي هريرة) كذا قال جرير، وتابعه الفضيل بن عياض عند ابن حبان وأبو بكر بن عياش عند الإسماعيلي كلاهما عن الأعمش، وأخرجه الترمذي عن أبي كريب عن أبي معاوية عن الأعمش فقال " عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد " هكذا بالشك للأكثر، وفي نسخة " وعن أبي سعيد " بواو العطف، والأول هو المعتمد، فقد أخرجه أحمد عن أبي معاوية بالشك وقال: شك الأعمش، وكذا قال ابن أبي الدنيا عن إسحاق، بن إسماعيل عن أبي معاوية، وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد وقال شك سليمان يعني الأعمش، قال الترمذي: حسن صحيح، وقد روى عن أبي هريرة من غير هذا الوجه يعني كما تقدم بغير تردد. قوله بعد سياق المتن (رواه شعبة عن الأعمش) يعني بسنده المذكور. قوله (ولم يرفعه) هكذا وصله أحمد قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال بنحوه ولم يرفعه، وهكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية بشر بن خالد عن محمد بن جعفر موقوفا. قوله (ورواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وصله مسلم وأحمد من طريقه، وسأذكر ما في روايته من فائدة. قوله (إن لله ملائكة) زاد الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة وابن حبان من طريق إسحاق بن راهويه كلاهما عن جرير " فضلا " وكذا لابن حبان من طريق فضيل بن عياض، وكذا لمسلم من رواية سهيل، قال عياض في " المشارق " ما نصه: في روايتنا عن أكثرهم بسكون الضاد المعجمة وهو الصواب، ورواه العذري والهوزني " فضل " بالضم وبعضهم بضم الضاد، ومعناه زيادة على كتاب الناس هكذا جاء مفسرا في البخاري، قال: وكان هذا الحرف في كتاب ابن عيسى " فضلاء " بضم أوله وفتح الضاد والمد وهو وهم هنا وإن كانت هذه صفتهم عليهم السلام. وقال في " الإكمال " الرواية فيه عند جمهور شيوخنا في مسلم والبخاري بفتح الفاء وسكون الضاد فذكر نحو ما تقدم وزاد: هكذا جاء مفسرا في البخاري في رواية أبي معاوية الضرير. وقال ابن الأثير في " النهاية " فضلا أي زيادة عن الملائكة المرتبين مع الخلائق، ويروي بسكون الضاد وبضمها قال بعضهم والسكون أكثر وأصوب. وقال النووي: ضبطوا فضلا على أوجه أرجحها بضم الفاء والضاد والثاني بضم الفاء وسكون الضاد ورجحه بعضهم وادعى أنها أكثر وأصوب، والثالث بفتح الفاء وسكون الضاد، قال القاضي عياض: هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري ومسلم، والرابع بضم الفاء والضاد كالأول لكن برفع اللام يعني على أنه خبر إن، والخامس فضلاء بالمد جمع فاضل قال العلماء ومعناه على جميع الروايات أنهم زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق لا وظيفة لهم إلا حلق الذكر. وقال الطيبي فضلا بضم الفاء وسكون الضاد جمع فاضل كنزل ونازل انتهى، ونسبة عياض هذه اللفظة للبخاري وهم فإنها ليست في صحيح البخاري هنا في جميع الروايات إلا أن تكون خارج الصحيح، ولم يخرج البخاري الحديث المذكور عن أبي معاوية أصلا وإنما أخرجه من طريقه الترمذي، وزاد ابن أبي الدنيا والطبراني رواية جرير فضلا عن كتاب الناس، ومثله لابن حبان من رواية فضيل ابن عياض وزاد " سياحين في الأرض " وكذا هو في رواية أبي معاوية عند الترمذي والإسماعيلي عن كتاب الأيدي، ولمسلم من رواية سهيل عن أبيه " سيارة فضلا". قوله (يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر) في رواية سهيل " يتبعون مجالس الذكر". وفي حديث جابر بن أبي يعلى " إن لله سرايا من الملائكة تقف وتحل بمجالس الذكر في الأرض". قوله (فإذا وجدوا قوما) في رواية فضيل بن عياض " فإذا رأوا قوما " وفي رواية سهيل " فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر". قوله (تنادوا) في رواية الإسماعيلي " يتنادون". قوله (هلموا إلى حاجتكم) في رواية أبي معاوية " بغيتكم " وقوله " هلموا " على لغة أهل نجد، وأما أهل الحجاز فيقولون للواحد والاثنين والجمع هلم بلفظ الإفراد، وقد تقدم تقرير ذلك في التفسير. واختلف في أصل هذه الكلمة فقيل هل لك في الأكل أم، أي اقصد، وقيل أصله لم بضم اللام وتشديد الميم وها للتنبيه حذفت ألفها تخفيفا. قوله (فيحفونهم بأجنحتهم) أي يدنون بأجنحتهم حول الذاكرين، والباء للتعدية وقيل للاستعانة. قوله (إلى السماء الدنيا) في رواية الكشميهني " إلى سماء الدنيا " وفي رواية سهيل " قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين سماء الدنيا". قوله (قال فيسألهم ربهم عز وجل وهو أعلم منهم) في رواية الكشميهني " بهم " كذا للإسماعيلي، وهي جملة معترضة وردت لرفع التوهم، زاد في رواية سهيل " من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض " وفي رواية الترمذي " فيقول الله: أي شيء تركتم عبادي يصنعون". قوله (ما يقول عبادي؟ قال: تقول يسبحونك) كذا لأبي ذر بالإفراد فيهما، ولغيره " قالوا يقولون " ولابن أبي الدنيا " قال يقولون " وزاد سهيل في روايته " فإذا تفرقوا " أي أهل المجلس " عرجوا " أي الملائكة " وصعدوا إلى السماء". قوله (يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك) زاد إسحاق وعثمان عن جرير " ويمجدونك " وكذا لابن أبي الدنيا. وفي رواية أبي معاوية " فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك " وفي رواية الإسماعيلي " قالوا ربنا مررنا بهم وهم يذكرونك إلخ " وفي رواية سهيل " جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك " وفي حديث أنس عند البزار " ويعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسألونك لآخرتهم ودنياهم " ويؤخذ من مجموع هذه الطرق المراد بمجالس الذكر وأنها التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرهما وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، وفي دخول قراءة الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر، والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوهما والتلاوة حسب، وإن كانت قراءة الحديث ومدارسة العلم والمناظرة فيه من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى. قوله (قال فيقول هل رأوني؟ قال فيقولون لا والله ما رأوك) كذا ثبت لفظ الجلالة في جميع نسخ البخاري وكذا في بقية المواضع، وسقط لغيره. قوله (كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا) زاد أبو ذر في روايته " وتحميدا " وكذا لابن أبي الدنيا، وزاد في رواية الإسماعيلي " وأشد لك ذكرا " وفي رواية ابن أبي الدنيا " وأكثر لك تسبيحا". قوله (قال يقول) في رواية أبي ذر " فيقول". قوله (فما يسألوني) في رواية أبي معاوية " فأي شيء يطلبون". قوله (يسألونك الجنة) في رواية سهيل " يسألونك جنتك". قوله (كانوا أشد عليها حرصا) زاد أبو معاوية في روايته " عليها " وفي رواية ابن أبي الدنيا " كانوا أشد حرصا وأشد طلبة وأعظم لها رغبة". قوله (قال فمم يتعوذون؟ قال يقولون من النار) في رواية أبي معاوية " فمن أي شيء يتعوذون؟ فيقولون من النار " وفي رواية سهيل " قالوا ويستجيرونك. وقال ومم يستجيرونني؟ قالوا من نارك". قوله (كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة) في رواية أبي معاوية " كانوا أشد منها هربا وأشد منها تعوذا وخوفا " وزاد سهيل في روايته " قالوا ويستغفرونك " قال فيقول: قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوا " وفي حديث أنس " فيقول غشوهم رحمتي". قوله (يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة) في رواية أبي معاوية " فيقولون إن فيهم فلانا الخطاء لم يردهم إنما جاء لحاجة " وفي رواية سهيل " قال يقولون: رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم " وزاد في روايته " قال وله قد غفرت". قوله (هم الجلساء) في رواية أبي معاوية وكذا في رواية سهيل " هم القوم " وفي اللام إشعار بالكمال أي هم القوم كل القوم. قوله (لا يشقى جليسهم) كذا لأبي ذر، ولغيره " لا يشقى بهم جليسهم " وللترمذي " لا يشقى لهم جليس " وهذه الجملة مستأنفة لبيان المقتضى لكونهم أهل الكمال، وقد أخرج جعفر في الذكر من طريق أبي الأشهب عن الحسن البصري قال " بينما قوم يذكرون الله إذ أتاهم رجل فقعد إليهم، قال فنزلت الرحمة ثم ارتفعت، فقالوا ربنا فيهم عبدك فلان، قال غشوهم رحمتي، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم " وفي هذه العبارة مبالغة في نفي الشقاء عن جليس الذاكرين، فلو قيل لسعد بهم جليسهم لكان ذلك في غاية الفضل، لكن التصريح بنفي الشقاء أبلغ في حصول المقصود. (تنبيه) : اختصر أبو زيد المروزي في روايته عن الفربري متن هذا الحديث فساق منه إلى قوله " هلموا إلى حاجتكم " ثم قال: فذكر الحديث. وفي الحديث فضل مجالس الذكر والذاكرين؛ وفضل الاجتماع على ذلك، وأن جليسهم يندرج معهم في جميع ما يتفضل الله تعالى به عليهم إكراما لهم ولو لم يشاركهم في أصل الذكر. وفيه محبة الملائكة بني آدم واعتناؤهم بهم، وفيه أن السؤال قد يصدر من السائل وهو أعلم بالمسئول عنه من المسئول لإظهار العناية بالمسئول عنه والتنوية بقدره والإعلان بشرف منزلته. وقيل إن في خصوص سؤال الله الملائكة عن أهل الذكر الإشارة إلى قولهم (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " فكأنه قيل لهم: انظروا إلى ما حصل منهم من التسبيح والتقديس مع ما سلط عليهم من الشهوات ووساوس الشيطان، وكيف عالجوا ذلك وضاهوكم في التسبيح والتقديس، وقيل إنه يؤخذ من هذا الحديث أن الذكر الحاصل من بني آدم أعلى وأشرف من الذكر الحاصل من الملائكة لحصول ذكر الآدميين مع كثرة الشواغل ووجود الصوارف وصدوره في عالم الغيب، بخلاف الملائكة في ذلك كله. وفيه بيان كذب من ادعى من الزنادقة أنه يرى الله تعالى جهرا في دار الدنيا، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة رفعه " واعلموا أنكم لم تروا ربكم حتى تموتوا". وفيه جواز القسم في الأمر المحقق تأكيدا له وتنويها به. وفيه أن الذي اشتملت عليه الجنة من أنواع الخيرات والنار من أنواع المكروهات فوق ما وصفتا به، وإن الرغبة والطلب من الله والمبالغة في ذلك من أسباب الحصول.
|